الخميس، 29 أغسطس 2013

في ذكري اعدام العملاق سيد قطب





سيد قطب... صاحب الظلال ..كلمات من نور





سيد قطب... صاحب الظلال ..كلمات من نور
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حينما أقرأ سيرة هذا الإنسان وقوته وصدقه كما نحسب والله حسيبه ولانزكي على أحدا أتعجب,,, فهو مناضل ورجل باع دنياه لأجل لاإله إلا الله.. رحمه الله وأسكنه الله في عليين...



هو الرجل الذي قال حينما ساوموه على الاعتذار قبل إعدامه بما يقرب من الأسبوع : (لن أعتذر عن العمل مع الله ) .. وقال: (إن الإصبع التي تشير بالتوحيد في الصلاة لا تخط اعتذارا تقر فيه لطاغية).

هو الرجل الذي قال حينما ساوموه المساومة الأخيرة على الاعتذار وهو على (طبيلة المشنقة!) وبعد أن غممت عينه فنزعوا الغمامة لعرض الفرصة الأخيرة..قال : (لن أشتري الحياة الدنيا بكذبة لن تزول).. فقال له رسول المساوم بصوت حزين: "ولكنه الموت يا سيد ".. قال قطب : (يا مرحب بالموت في سبيل الله).

هو الرجل الذي قال : (إن الدخول في الإسلام صفقة بين متبايعين . . الله - سبحانه - فيها هو المشتري والمؤمن فيها هو البائع . فهي بيعة مع الله لا يبقى بعدها للمؤمن شيء في نفسه ولا في ماله يحتجزه دون الله - سبحانه - ودون الجهاد في سبيله لتكون كلمة الله العليا ، وليكون الدين كله لله . فقد باع المؤمن لله في تلك الصفقة نفسه وماله مقابل ثمن محدد معلوم ، هو الجنة : وهو ثمن لا تعدله السلعة ، ولكنه فضل الله ومَنَّه)

هو الرجل الذي قال سنة 1965حينما اعتقل بالسجن الحربي هو مجموعته من الشباب المسلم الذين يربيهم على العقيدة والخضوع للواحد الديان: (إنه آن أن يقدم إنسان مسلم رأسه ثمناً لإعلان وجود حركة إسلامية وتنظيم غير مصرح به قام أصلاً على أساس أنه قاعدة لإقامة النظام الإسلامي، أياً كانت الوسائل التي سيستخدمها لذلك. وهذا في عرف القوانين الأرضية جريمة تستحق الإعدام!).

هو الرجل الذي قال لأم المسلمين زينب الغزالي وأخته المجاهدة حميدة قطب في قضية تنظيم 1965: (أوصلوا الهضيبي سلامي وأبلغوه أني تحملت أقصى ما يتحمله البشر حتى لا يمس هو بسوء).


هو الرجل الذي التفت إلى مجموعته من الشباب في قفص الاتهام بالمحكمة في قضية تنظيم 1965 وكان ذلك في أول جلسة للمحاكمة.. فقال لهم: (لو تحبونني بعض ما أحبكم لتمنيتم اللقاء في الجنة).. أي لتمنيتم الحكم بالإعدام لنيل الشهادة في سبيل الله.


هو الرجل الذي قال له الشيخ عبد الفتاح إسماعيل ـ الرجل الثالث الذي أعدم معه ـ وهو في قفص الاتهام بالمحكمة ، قال في حدة وثورة: " تكلم يا أستاذ سيد عن الجاهلية وتحكيم غير شرع الله .. تكلم عن التعذيب الذي تعرضنا .. ) فالتفت له سيد قطب رحمه الله وقال في صوت هادئ لا يكاد يسمع: (على رسلك يا شيخ عبد الفتاح؛ الأمة لم تقدم بعد العدد الكافي من الشهداء).


هو الرجل الذي قال مبتسما حين نطقت المحكمة الهزلية عليه حكم الإعدام عام 1965: (الحمد لله.. أبحث عن الشهادة منذ خمسة عشر عاما).


هو الرجل الذي قال رفقائه في سيارة السجن حين رجوعهم من المحكمة بعد الحكم عليهم بالإعدام...قال وهو متهلل من السرور: (أنا لا أكاد أصدق أن الله منّ علينا بالشهادة).

هو الرجل الذي قال حين أخبروه باستشهاد طلعت ـ ابن أخته أمينة قطب ـ تحت التعذيب على يد المارق شمس بدران.. وكان أحب الناس إلى خاله سيد قطب .. فقال مبتسما: (الحمد لله.. إذا طلعت أفضل منا جميعا لأنه نال هذه المنزلة ونحن لم ننلها بعد..).


هو الرجل الذي قال: ( هذه العقيدة : عطاء ووفاء وأداء . وبلا مقابل من أعراض هذه الأرض ، وبلا مقابل كذلك من نصر وغلبة وتمكين واستعلاء .. ثم انتظار كل شيء هناك ! ).

إن أصحاب الأقلام يستطيعون أن يصنعوا شيئا كثيرا ولكن بشرط واحد: أن يموتوا هم لتعيش أفكارهم.. أن يطعموا أفكارهم من لحومهم ودمائهم.. أن يقولوا ما يعتقدون أنه حق ، ويقدموا دماءهم فداء لكلمة الحق ، (إن أفكارنا وكلماتنا تظل جثثا هامدة ، حتى إذا متنا في سبيلها أو غذيناها بالدماء انتفضت حية وعاشت بين الأحياء)(1). 1- دراسات إسلامية (139


من شجاعته رحمه الله...


وفي شهر آب سنة (1965م) وهو نفس الشهر الذي اعتقل فيه أرسل إليه المباحث واحدا فتسور الدار ودخل ليفتش فأمسكه وأنبه وأدبه ، وقال: (إن للبيوت حرمات ألا تعرف أدب الدخول؟ ثم كتب كتابا وأرسله إلى مدير المباحث وقال: (أرسل إلي بشرا ولا ترسل كلابا ) ثم ذهب إلى قسم المباحث ، وقال: (جئتكم حتى تعتقلوني).
ماذا قال قبيل إعدامه رحمه الله...؟

كلمات أنى تقال في هكذا مواقف...
بعض ماروي عنه ...
على لسان أحدهم.. قال ..: "حدثني أحد الإخوة قال: إن مراسم الإعدام تقضي أن يكون أحد العلماء حاضرا تنفيذ الإعدام ليلقن المحكوم عليه الشهادتين! فعندما كان سيد يمشي خطاه الأخيرة نحو حبل المشنقة اقترب منه الشيخ قائلا : (قل لا إله إلا الله) فقال سيد : حتى أنت جئت تكمل المسرحية نحن يا أخي نعدم بسبب لا إله إلا الله، وأنت تأكل الخبز بلا إله إلا الله. "







وبهذه الروح الصافية الخاصة عاش هذا (الرجل).. عاش لله منتظرا الجنة.. ولم (يسايس) ولم يتبع مصطلح (المصلحة) الذي يتبعه المثيرون الآن متحججين بتحقيق مصلحة الدعوة.. إن مصلحة الدعوة في أن تستمر كما هي، ولسنا مكلفين بتحقيق النتائج؛ فهي بيد الله تعالى؛ وإنما نحن مكلفون بإسقاط التكليف وإبراء الذمة بإيصال الدعوة كما هي، كما بلغها النبي صلى الله عليه وسلم، وكما امتثل في ذلك لقوله تعالى { بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته }.. هكذا عاش سيد قطب رحمه الله، وهكذا وبهذا كان سيد قطب (مخزن الدعوة) للأجيال التالية.. وبهذا كان سيد قطب مصب بغضاء المنافقين.. فما الذي في الرجل يمكن يلتمس فيه المنافقون أية محبة له؟!! لقد علق على حبل الشرف والعزة.. حبل المشنقة.. وظل معلنا العبودية لله وحده قلبا وعملا .. إيمانا داخليا وتصديقا فعليا حتى آخر لحظة من حياته.. خضوعه لحاكمية الله ظل عليها عملا وتفعيلا حتى آخر لحظة.. حتى حركة الإصبع يكتب بها كلمات.. هذه الإصبع ترتفع لتشير بالتوحيد .. فلا تكتب اعتذارا تقر فيه لطاغية.. هكذا .. هكذا حينما آمن القلب.. صدقت الجوارح.. صدق هذا العضو الصغير .. الإصبع .. الذي يمسك القلم ..


رحمك الله ياسيد فلقد صنعت أسيادا وأقطابا حول العالم بفكرك.. رحمك الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بمناسبة اعدام العملاق سيد قطب في 29 اغسطس نقدم




هذا هو الطريق... سيد قطب



هذا هو الطريق
{والسماء ذات البروج، واليوم الموعود، وشاهد ومشهود، قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد، إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير، إن بطش ربك لشديد، إنه هو يبدئ ويعيد، وهو الغفور الودود، ذو العرش المجيد، فعال لما يريد...}.

إن قصة أصحاب الأخدود - كما وردت في سورة البروج - حقيقة بأن يتأملها المؤمنون الداعون إلى الله في كل أرض وفي كل جيل، فالقرآن بإيرادها في هذا الأسلوب مع مقدمتها والتعقيبات عليها، والتقريرات والتوجيهات المصاحبة لها... كان يخط بها خطوطا عميقة في تصور طبيعة الدعوة إلى الله، ودور البشر فيها، واحتمالاتها المتوقعة في مجالها الواسع - وهو أوسع رقعة من الأرض، وأبعد مدى من الحياة الدنيا - وكان يرسم للمؤمنين معالم الطريق، ويعد نفوسهم لتلقي أي من هذه الاحتمالات التي يجري بها القدر المرسوم، وفق الحكمة المكنونة في غيب الله المستور.

إنها قصة فئة آمنت بربها، واستعلنت حقيقة إيمانها، ثم تعرضت للفتنة من أعداء جبارين بطاشين مستهترين بحق "الإنسان" في حرية الاعتقاد بالحق والإيمان بالله العزيز الحميد، وبكرامة الإنسان عند الله عن أن يكون لعبة يتسلى بها الطغاة بآلام تعذيبها، ويتلهون بمنظرها في أثناء التعذيب بالحريق!

وقد ارتفع الإيمان بهذه القلوب على الفتنة، وانتصرت فيها العقيدة على الحياة، فلم ترضخ لتهديد الجبارين الطغاة، ولم تفتن عن دينها، وهي تحرق بالنار حتى تموت.

لقد تحررت هذه القلوب من عبوديتها للحياة، فلم يستذلها حب البقاء وهي تعاين الموت بهذه الطريقة البشعة، وانطلقت من قيود الأرض وجواذبها جميعا، وارتفعت على ذواتها بانتصار العقيدة على الحياة فيها.

وفي مقابل هذه القلوب المؤمنة الخيرة الرفيقة الكريمة كانت هناك جبلات جاحدة شريرة مجرمة لئيمة، وجلس أصحاب هذه الجبلات على النار، يشهدون كيف يتعذب المؤمنون ويتألمون، جلسوا يتلهون بمنظر الحياة تأكلها النار، والأناسي الكرام يتحولون وقودا وترابا، وكلما ألقي فتى أو فتاة، صبية أو عجوز، طفل أو شيخ، من المؤمنين الخيرين الكرام في النار، ارتفعت النشوة الخسيسة في نفوس الطغاة، وعربد السعار المجنون بالدماء والأشلاء!

هذا هو الحادث البشع الذي انتكست فيه جبلات الطغاة وارتكست في هذه الحمأة، فراحت تلتذ مشهد التعذيب المروع العنيف، بهذه الخساسة التي لم يرتكس فيها وحش قط، فالوحش يفترس ليقتات، لا ليلتذ آلام الفريسة في لؤم وخسة!

وهو ذاته الحادث الذي ارتفعت فيه أرواح المؤمنين وتحررت وانطلقت إلى ذلك الأوج السامي الرفيع، الذي تشرف به البشرية في جميع الأجيال والعصور.

في حساب الأرض يبدو أن الطغيان قد انتصر على الإيمان، وإن هذا الإيمان الذي بلغ الذروة العالية، في نفوس الفئة الخيرة الكريمة الثابتة المستعلية... لم يكن له وزن ولا حساب في المعركة التي دارت بين الإيمان والطغيان!

ولا تذكر الروايات التي وردت في هذا الحادث، كما لا تذكر النصوص القرآنية، أن الله قد أخذ أولئك الطغاة في الأرض بجريمتهم البشعة، كما أخذ قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وقوم لوط، أو كما أخذ فرعون وجنوده أخذ عزيز مقتدر.

ففي حساب الأرض تبدو هذه الخاتمة اسيفة أليمة!

أفهكذا ينتهي الأمر، وتذهب الفئة المؤمنة التي ارتفعت إلى ذروة الإيمان؟ تذهب مع آلامها الفاجعة في الأخدود؟ بينما تذهب الفئة الباغية، التي ارتكست إلى هذه الحمأة، ناجية؟

حساب الأرض يحيك في الصدر شيء أمام هذه الخاتمة الأسيفة!

ولكن القرآن يعلم المؤمنين شيئا آخر، ويكشف لهم عن حقيقة أخرى، ويبصرهم بطبيعة القيم التي يزنون بها، وبمجال المعركة التي يخوضونها.

إن الحياة وسائر ما يلابسها من لذائذ وآلام، ومن متاع وحرمان... ليست هي القيمة الكبرى في الميزان... وليست هي السلعة التي تقرر حساب الربح والخسارة، والنصر ليس مقصورا على الغلبة الظاهرة، فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة.

إن القيمة الكبرى في ميزان الله هي قيمة العقيدة، وإن السلعة الرائجة في سوق الله هي سلعة الإيمان، وإن النصر في أرفع صوره هو انتصار الروح على المادة، وانتصار العقيدة على الألم، وانتصار الإيمان على الفتنة... وفي هذا الحادث انتصرت أرواح المؤمنين على الخوف والألم، وانتصرت على جواذب الأرض والحياة، وانتصرت على الفتنة انتصارا يشرف الجنس البشري كله في جميع الأعصار... وهذا هو الانتصار...


..... سيد قطب